تأخير الرواتب في القطاع الخاص

تأخير الرواتب في القطاع الخاص

تأخير الرواتب في القطاع الخاص مشكلة كبيرة تواجه معظم العاملين في ذلك القطاع، الذي يجتهدون طوال الشهر بهدف الحصول في نهاية المطاف على الأجر المتفق عليه مع صاحب العمل، للوفاء بالتزاماتهم الحياتية والأسرية،

غير أنهم يفاجئون بعدم التزام صاحب العمل بسداد الراتب في موعده، فقد يتأخر أسبوع أو أسبوعين وقد يصل الإجحاف إلى التأخر في السداد لشهور عديدة، فيقع العامل عندئذ في أزمة وتتراكم عليه الديون وتلحق به أضرار جسيم من جراء إخلال صاحب العمل،

وفي نفس الوقت ليس في مقدوره ترك الوظيفة التي -في غالب الأحيان- لالتزامه بعقد محدد المدة مع صاحب العمل، أو أن هذه الوظيفة تعتبر مصدر رزقه الوحيد،

وانطلاقًا من هذه المشكلة الشائكة قد وضع المنظم تنظيمًا خاصًا لحماية حقوق كلًا من المتعاقدين، ومعالجة مشكلة تأخر الرواتب في القطاع الخاص، وهو ما يسمى “برنامج حماية الأجور”، نتعرف عليه تفصيلًا من خلال هذا المقال

نظام مكتب العمل في الرواتب

أطلقت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية برنامج “حماية الأجور” البرنامج الإلزامي الذي يجب على كل أصحاب الأعمال التسجيل فيه، ورفع كافة البيانات المتعلقة بالأجور عليه شهريًا؛

حيث يقوم البرنامج برصد عمليات صرف الأجور للعاملين والعاملات في القطاع الخاص (السعوديين والوافدين)، ويقيس مدى التزام أصحاب الأعمال بدفع الأجور للعاملين في الموعد المحدد، وبالقيمة المـتفق عليها بين أطرف التعاقد، بهدف تقليص خلافات الأجور بين العمال وأصحاب الأعمال،

كما يقوم بمعاقبة أصحاب الأعمال في حال التأخير على العاملين في سداد رواتبهم، وتجدر الإشارة إلى أن التزام أصحاب الأعمال بسداد الأجور للعاملين لديهم في المواعيد المتفق عليها، هو الهدف الأسمى من نظام مكتب العمل في الرواتب،

علمًا بأن المنظم قد أعطى للعامل حق التقدم بطلب إلى المحكمة العمالية ضد صاحب العمل، في حال تأخر أو تراخى هذا الأخير في الوفاء بمستحقاته وفق ما استقر عليه نظام مكتب العمل في الرواتب، وكذلك ما أشارت إليه المادة 94 من نظام العمل، كما سنبينه أدناه.

المادة 94 من نظام العمل

قد سبق للمنظم -قبل برنامج حماية الأجور- أن حذّر من التهاون في حق العمال أو الحسم من راتبهم بموجب ما نصت عليه المادة (94) من نظام العمل، من أن: إذا حسم من أجر العامل أي مبلغ لسبب غير ما هو منصوص عليه في النظام بغير موافقته الكتابية، أو تأخر صاحب العمل عن أداء أجر العامل في موعد استحقاقه المحدد نظامًا دون مسوغ مشروع كان للعامل أو لمن يمثله أو مدير مكتب العمل المختص أن يتقدم بطلب إلى المحكمة العمالية، كي تأمر صاحب العمل أن يرد إلى العامل ما حسمه دون وجه حق، أو يدفع له أجوره المتأخرة“.

ولعل المادة 94 من نظام العمل -سالفة الذكر- جاءت لترسخ اتجاه المنظم في إرساء قاعدة عدم جواز المساس بأجر العامل سواء بالحسم منه أو التأخير في سداده عن موعده، إلا في الحالات المقررة بموجب النظام كالغرامات أو مقابل إصلاح ما أتلفه العامل أو استرداد قروض من صاحب العمل، وغيرها من الحالات النظامية.

مدد تأخير الرواتب

الأصل العام كما بينّا أعلاه، أن يقوم صاحب العمل بالوفاء براتب العامل في موعد استحقاقه المتفق عليه، وبالعملة الرسمية للبلد المتمثلة في (الريال)، ويتم ذلك عن طريق البنوك المعتمدة في المملكة،

ومن ثم؛ فمن غير الجائز التأخر في سداد مستحقات العمال أبدًا، ولا ليوم واحد، تفاديًا للأضرار التي تلحق بالعامل من جراء ذلك، والتزامًا بأحكام النظام من جانب أخر،

واسترشادًا بحديث النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “قال اللهُ: ثلاثةٌ أنا خَصْمُهم يومَ القيامةِ: رجُلٌ أعطى بي ثمَّ غدَرَ، ورجُلٌ باع حُرًّا فأكَلَ ثمَنَه، ورجلٌ استأجرَ أجيرًا فاستوفى منهُ ولم يُعْطِه أجرَه“،

وقول النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أعطُوا الأجيرَ أَجْرَه قبلَ أن يجِفَّ عَرَقُه))؛ بما يدلل على ضرورة المبادرة في الوفاء بالأجرة المستحقة.

إلا أن الحاصل في أغلب الأحيان هو عدم التزام أصحاب الأعمال بذلك، حيث ظهر من الواقع العملي أن هناك مُدد تأخر الرواتب دارجة بين أصحاب الأعمال من: (ثلاث أسابيع، أو شهر، وقد تصل إلى عدة أشهر)، وعليه، حدّد المنظم بموجب برنامج “حماية الأجور” قواعد تحكم مدد تأخير الرواتب في القطاع الخاص -حسب ما تم رصده من الواقع العملي-، ووضع جزاء لكل مدة على حدا، وذلك فيما يلي:

  • إذا كانت مدة التأخير شهر: فإنه يتم تحديد زيارة تفتيشية للمنشأة، وتتم المحاسبة عن المخالفة حسب النظام.
  • إذا كانت مدة التأخير شهرين: فإنه يتم إيقاف جميع الخدمات، ماعدا خدمة إصدار وتجديد رخص العمل.

إلى جانب تلك الجزاءات؛ فإنه يتم معاقبة المنشأة عن عدم سداد أجور العاملين في المواعيد المستحقة، بغرامة 10 ألف ريال عن كل شهر.

تأخير الرواتب ٣ أشهر

يلاحظ أنه إذا زات مدد تأخر الرواتب عن المدد المذكورة أعلاه، بحيث يصل تأخر الرواتب 3 أشهر، فإن المنظم يعاقب صاحب العمل بإيقاف جميع خدماته،

كما يسمح للعمالة بنقل خدماتهم إلى صاحب عمل أخر دون موافقة صاحب العمل الحالي، حتى ولو لم تنتهي رخصة العمل.

فضلًا عن حق العامل دائمًا وأبدًا – في حال تأخر الرواتب 3 أشهر- أن يلجأ إلى المحكمة العمالية للمطالبة بقيمة الرواتب المتأخرة، أو أي مستحقاته عمالية أخرى،

ولكن يلزم التأكد من أن تأخر الرواتب 3 أشهر متتالية وليست منفصلة، حيث نصت المادة (14/8) من اللائحة التنفيذية لنظام العمل أن: “8- يجوز للوزير أو من يفوضه الموافقة على نقل خدمة عامل وافد لصاحب عمل آخر دون موافقة صاحب العمل الذي يعمل لديه العامل، في الحالات التالية: ج- إذا لم تقم المنشأة بدفع أجور العامل المستحقة لثلاثة أشهر متتالية، أو تأخرت في صرفها عن موعد استحقاق الشهر الثالث، شريطة ألا يكون العامل قد تسبب أو ساهم في عدم دفع الأجور أو تأخير صرفها وذلك بناءً على طلب يقدم من العامل خلال سنة هجرية، تبدأ من تاريخ استحقاق الشهر الثالث من تلك الأشهر“.

تأخير الرواتب في القطاع الخاص

ترك العمل بسبب تأخر الراتب

ترتيبًا على ما ذكرنّاه أعلاه؛ فإنه يحق للعامل ترك العمل بسبب تأخر الراتب من قبِل صاحب العمل، لمدة ثلاثة أشهر، علمًا بأن ترك العمل من قبل العامل في هذه الحالة لا يعتبر فسخ غير مشروع للعقد،

بينما هو حق نظامي قرره المنظم للعامل، فإذا استخدامه العامل؛ فلا يؤثر ذلك على حقوقه، بحيث يبقى محتفظًا بكامل مستحقاته العمالية في ذمة صاحب العمل دون أي مشكلات،

فلقد نص المبدأ العمالي رقم (8/2/432) بتاريخ 5/1/1432هـ على أن: “تأخر صاحب العمل في دفع أجور العامل يقرر له الحق في ترك العمل ونقل كفالته أو الخروج النهائي”.

وكذلك نص المبدأ العمالي رقم (1252/1/432) بتاريخ 6/9/1432هـ على أن: “توقف العامل عن العمل بسبب تأخر صرف رواتبه لا يحرمه من مكافأة نهاية الخدمة”.

كما جاء نص المبدأ العمالي رقم (630/2/432) بتاريخ 20/6/1432هـ على أن: “توقف العامل عن إكمال عمله بسبب تأخر صاحب العمل في صرف الرواتب لمدة ثلاثة أشهر سبب مشروع يحفظ حق العامل في طلبه تصفية مستحقاته عن خدماته بشأن مكافأة نهاية الخدمة وبدل الإجازة غير المستعملة وتذكرة سقره للعودة إلى بلده، وتأشيرة خروجه عن البلاد”.

والعديد من المبادئ العمالية الأخرى التي تؤكد حق العامل في ترك العمل بسبب تأخر الراتب، ولمزيد من التفاصيل، فقد اصطفى فريق مكتب المختار للمحاماة هذا المجلد الرائع الصادر من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، الملم بجميع المبادئ والقرارات العمالية حول هذا الموضوع وغيره، يمكنك الحصول عليه الآن من هنا.

التعويض عن تأخير الرواتب

يتبادر إلى الذهن من كلا الجانبين سواء العامل أو صاحب العمل، التساؤل حول تعويض تأخير الرواتب في القطاع الخاص

  • فمن جانب العامل: هل استحق تعويض على إثر تأخر راتبي والأضرار التي لحقت بي من جراء إخلال صاحب العمل؟
  • أما صاحب العمل: فـهل يتم تغريمي تعويض تأخير الرواتب إذا قصرت في الوفاء بالرواتب للعاملين في الموعد المحدد؟

لا شك أن الوفاء بالرواتب في الموعد المتفق عليه هو من أهم الحقوق الجوهرية للعامل التي تقع على عاتق صاحب العمل، التي وفق المنطق العام يستحق الطرف المتضرر عن الإخلال بها تعويض أسوة بغيرها من الحقوق المصانة بموجب النظام،

غير أن المنظم لم يحدد بنص صريح أو تنظيم خاص مسألة تعويض تأخير الرواتب في القطاع الخاص، واكتفى فقط بالنسبة لصاحب العمل بتوقيع جزاء الغرامة المالية بقيمة 10 آلاف ريال -كما بينّاه أعلاه- عن كل شهر تأخير،

ولكن من وجه نظرنا نرى أن الأمر بالنسبة للعامل مرتبط بدرجة كبيرة بسلطة القاضي التقديرية، باختلاف كل حالة على حدا، والمعتبر بوجه عام هو تحقق ضرر فعلي واضح مباشر على العامل من جراء إخلال صاحب العمل في الوفاء بمستحقاته،

فإن ثبت للدائرة ذلك الضرر المحقق؛ فإنها ستتوجه غالبًا إلى إزالة هذا الضرر، استرشادًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”، والقاعدة الفقهية التي نصت على أن: “الضرر يزال”،

أما إذا كان طلب التعويض مؤسسًا على مجرد التأخير في الوفاء بالرواتب دون ضرر محقق؛ فهو ربا محرم شرعًا ولا تحكم الدائرة باستحقاقه أبدًا، لقوله تعالى: “وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ” سورة البقرة: (278-280).

ويمكننا مساعدتك في هذا الشأن عن طريق عرض قضيتك وبيان الضرر الواقع عليك، على أن يتولى فريق مكتب المختار للمحاماة، إرشادكم إلى الإجراء اللازم، وتحديد نسبة قبول الدائرة الموقرة للقضية واتجاه الحكم فيها وفقًا لحيثيات الوقائع والمستندات.

شكوى عدم استلام راتب

يمكن تقديم شكوى عدم استلام راتب إلى وزارة العمل من خلال الخطوات التالية:

  • قم بتسجيل الدخول إلى بوابة الخدمات الإلكترونية من هنا
  • ادخل اسم مقدم الشكوى ورقم الهوية ورقم الهاتف والعنوان البريدي
  • تحديد مكان العمل مع إرفاق صورة عقد العمل.
  • تحديد نوع الشكوى التي تتمثل في تأخير استلام راتب.
  • حفظ رقم الشكوى للاستعلام عنها لاحقا.

وهنا نكون قد وصلنا لختام مقالنا عن تأخير الرواتب في القطاع الخاص، آملين من المولى -عز وجل- أن نكون قد أفدناكم، كما يسعدنا استقبال استفساراتكم واقتراحاتكم في مكتب المختار للمحاماة.

موضوعات ذات صلة:

Leave A Comment

× كيف يمكنني مساعدتك!