1) للقاضي أن يأمر بأي إجراء من إجراءات الإثبات.

يتطلب من القاضي السعي والتنقيب لتكوين عقيدته وقناعته؛ وذلك للوصول إلى حل النزاع المعروض عليه، وفي سبيل ذلك تُتَخَذ إجراءات الإثبات بناءً على أمر المحكمة، إما بناءً على طلب أحد الخصوم أو من تلقاء نفسها؛ نظرًا لأنها مكلفة بالحكم في الأنزعة المطروحة عليها، وهو التزام يفرضه النظام، كما تفرضه طبيعة الوظيفة الموكلة للقضاة، وإلا عُد التخلي عن هذا الالتزام إنكار للعدالة.

ومن الثابت قضاءً أنه متى كانت الأوراق المقدمة في الدعوى أمام المحكمة الموضوع كافية لتكوين عقيدتها، فلا تثريب عليها إذا هي لم تأمر بضم أوراق أخرى استجابة لطلب أحد الخصوم، وهي غير ملزمة بتكليف الخصم الذي لم يقدم دليلًا على دفاعه بتقديم الدليل، أو لفت نظره إلى مقتضيات هذا الدفاع، وحسبها أن تقيم قضائها وفقًا للمستندات والأدلة المطروحة عليها بما يكفي لحمله.

فليس لزامًا على المحكمة أن تأمر بالإجراءات عند طلب أحد الخصوم، فهي لا تجبر على استعمال سلطتها، فهو أمر جوازي لها، تأمر به إذا رأت موجبًا له؛ لأن الغرض من هذا الإجراء هو إقناع المحكمة برأي ترتاح إليه في حكمها، فإذا كان هذا الإقتناع موجودًا بدونه فلا لزوم له، ولكن يختلف الأمر إذا لم يكن للخصم وسيلة أخرى لإثبات ما يدعيه؛ حيث يتعين على المحكمة في هذه الحالة إجابته إلى طلبه، وإلا تكون قد أخلت بحقوق الدفاع، فالمحكمة لا تستطيع رفض طلب التحقيق، إذا تعلق بدفاع جوهري من شأنه -لو صح- أن يتغير وجه الرأي في الدعوى؛ إذ يعتبر ذلك بمثابة إخلال بحق الدفاع.

2) العدول عن إجراءات الإثبات ونتيجتها.

أ] العدول عن إجراء الإثبات:

تنص المادة التاسعة من نظام الإثبات السعودي على أنه: “1- للمحكمة أن تعدل عمّا أمرت به من إجراءات الإثبات، بشرط أن تبين أسباب العدول في محضر الجلسة”.

فإذا قضت المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات واقعة معينة بالبينة، فلها أن تعدل عن هذا الحكم إذا اتضح لها عدم ضرورة اللجوء لإثبات بهذا الإجراء، كما أن عدول القاضي عن تنفيذ حكم استجواب الخصم استنادًا إلى ما قرره من أن الدعوى تستقيم بغير حاجه إلى إجراء الاستجواب، فإن مؤدي ذلك أنه ارتأي في عناصر الدعوى ما يغنيه عنه ويكفي لتكوين عقيدته.

فالمحكمة لها أن تعدل عن تنفيذ إجراء سبق لها أن أمرت به، وقد ابتغى المُنظِم من ذلك ألا يلزم القاضي بتنفيذ إجراء لم يعد يرى ضرورة له، خصوصًا أنه غير مقيد بما يسفر عنه تنفيذ هذا الإجراء.

ب] العدول عن نتيجة الإجراء:

تنص المادة التاسعة من نظام الإثبات السعودي على أنه: “…2- للمحكمة ألا تأخذ بنتيجة إجراء الإثبات، بشرط أن تبين أسباب ذلك في حكمها”.

فقد خول المُنظم بموجب المادة التاسعة من نظام الإثبات للمحكمة سلطة عدم الاعتداد بالنتيجة التي أسفرت عنها مباشرة الإجراء بعد تنفيذه، فالهدف من سلطة الحكم بأحد إجراءات الإثبات هو تمكين المحكمة من تكوين عقيدتها للفصل في موضوع النزاع للوصول إلى الحقيقة، فإن لم تقتنع المحكمة بما انتهى إليه إجراء الإثبات كان لها أن تطرحة وأن تتلمس طريقًا غيره لتكوين عقيدتها، وليس للخصوم أن يعترضوا، وذلك بشرط أن تبين أسباب هذا العدول في الحكم الصادر في الموضوع.

والأحكام الصادرة بإجراءات الإثبات لا تعتبر أحكامًا قطعية، ولا تكون حجية الأمر المقضي، فيجوز للمحكمة العدول عنها بعد إصرارها وقبل تنفيذها، وإذ هي نفذتها كان لها ألا تتقيد بالنتيجة التي أدت إليها، وذلك ما لم تتضمن تلك الأحكام فصلًا في حق من الحقوق؛ إذ تكون بذلك حجة فيها فصلت فيه منها، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية.

Leave A Comment