مبدأ الثبوت بالكتابة دليل ناقص في السعودية

مبدأ الثبوت بالكتابة

مبدأ الثبوت بالكتابة هو مصطلح جديد ظهر متزامنًا مع صدور نظام الإثبات السعودي الذي جاء واشترط لإثبات التصرفات التي تزيد على 100 ألف ريال أن تكون بموجب دليل كتابي.

فهذه التصرفات أصبحت لا يجوز فيها شهادة الشهود كما كانت في السابق،

ولكن هذا الأصل وورد عليه استثناء؛ نصت عليه المادة رقم (68) من نظام الإثبات ألا وهو مبدأ الثبوت بالكتابة،

وفي ضوء هذه التطورات؛ طُرِحَت العديد من التساؤلات عن ذلك المبدأ، ومنها:

  1. ماهيته؟
  2. وشروط انطباقه؟
  3. والأثر المترتب عليه؟

وانطلاقًا من وافر هذه الأسئلة، ولحداثة الموضوع على الوسط القانوني بالمملكة العربية السعودية؛

فنحن في مكتب المختار للمحاماة رغبةً منا في نشر الوعي القانوني بالمملكة، والمساهمة الفعالة في المنظومة العدلية؛

قمنا بإعداد هذا المقال المتواضع الذي تناولنا فيه إيضاح كافة المسائل المتعلقة بمبدأ الثبوت بالكتابة.

ما هو مبدأ الثبوت بالكتابة

لقد نصت الفقرة الثانية من المادة رقم (51) من نظام الإثبات على تعريف لمبدأ الثبوت بالكتابة؛

إذ عرفته بأنه كل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال.

شروط التمسك بمبدأ الثبوت بالكتابة

بتأمل التعريف الذي وضعه نظام الإثبات لهذا المبدأ؛ فإنه يمكن استخلاص الشروط اللازم تحققها لتطبيق المبدأ، وهي ثلاثة شروط:

  1. الشرط الأول: وجود كتابة.
  2. الشرط الثاني: صدور الكتابة من الخصم.
  3. الشرط الثالث: أن يكون من شأن الكتابة أن تجعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال.

ونتناول كل شرط بشيء من التفصيل على النحو التالي:

الشرط الأول: وجود كتابة

هذا الشرط عام الدلالة؛ فلفظ الكتابة هنا يتم تفسيره بأوسع معانيه، وبالتالي فهو يشتمل على كل كتابة

دون اشتراط أي شكل فيها، ودون اشتراط وجود توقيع عليها،

فقد تكون الكتابة:

  • سند كتابي.
  • أو مذكرة شخصية.
  • أو مجرد علامة ترمز للاسم.
  • أو توقيع أو غير ذلك.

ولكن في جميع الأحوال لا مجال للاكتفاء بالقراءن للقول بوجود مبدأ الثبوت بالكتابة؛ إذ يشترط حتمًا وجود الكتابة.

ومن البديهي ألا تكون تلك الكتابة دليل كافي بذاتها للإثبات؛ إذ لو أنها كذلك، فما الحاجة من مبدأ الثبوت؟

لذلك يمكننا أن نطلق على هذا المبدأ أنه دليل كتابي ناقص.

الشرط الثاني: صدور الكتابة من الخصم

يجب أن تكون الكتابة صادرة من الخصم، وهو الشخص الذي يُرَاد التمسك عليه بها.

وصدور الكتابة من الخصم له معنى خاص، يتمثل في أن تكون الكتابة منسوبة إليه،

ولكن لا يُشتَرَط أن تكون الكتابة صادرة من الخصم بصورة شخصية، فلو أصدرها نائبه أو وكيله؛ كان ذلك كافيًا للقول بنسبة الكتابة للخصم.

وفي هذا السياق فإن أقوال المحامي أثناء المرافعة أو في مذكراته يمكن اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة تجاه موكله،

وكذلك فإن الكتابة الصادرة من السلف تكون مقيدةً للخلف، فالورقة الصادرة من المورث تقيد الوارث.

صور الكتابة

ترتيبًا على ما سبق؛ فإنه يمكننا أن نتصور أربع صورًا للورقة التي تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة، وهي على النحو التالي:

الصورة الأولى: أن تكون الورقة مكتوبة بخطه بلا توقيع

ومثالها أن يكتب الشخص بخطه مسودة عقد أو مشروع عقد أو بيانًا بحساب يوقع عليه، وحين تكون الورقة متضمنةً لذلك في حوزة خصمه فيقدمها في الدعوى ضده على صدق ادعائه بحصول ذلك العقد.

الصورة الثانية: أن تكون الورقة موقعًا عليها من الخصم فحسب

وهي صورة تفيد قيام الشخص بالتوقيع المنفرد بما يُنشيء مبدأ ثبوت بالكتابة؛ لأنه إذا وقع شخص على ورقة وكانت مكتوبة بغير خطه، فإن توقيعه يجعلها مع ذلك حجة كاملة عليه.

وإذا وقع شخص على ورقة لا تحمل كتابة فمن العسير أن نتصور أن لهذا التوقيع دلالة.

ومع ذلك فمن الممكن أن تعرض حالات تكون الورقة فيها موقعًا عليها من الشخص دون وجود أية كتابة، وتكون لها دلالة تجعل منها مجال الإثبات،

ومن أمثلة ذلك: أن يدعي شخص أنه كان وكيلًا عن آخر في أمرٍ ما، ويقدم للدلالة على ذلك ورقة موقعًا عليها من ذلك الآخر على بياض،

ثم يدعي من وقع عليها أنه كان يجرب القلم فقط، أو كان يحاول تحسين خطه، ثم وقعت الورقة في يد خصمه،

أو أنه وقع على الورقة وسلمها لخصمه ليصنع له ختمًا بهذا التوقيع، فهنا يكون كل من التفسيرين محتمل التصديق؛ فتحال الدعوى إلى التحقيق ليستكمل المدعي بالبينة هذا الدليل الكتابي الناقص،

أو ليبين المدعى عليه -بالبينة أيضًا- صدق ما يدعيه في خصوص توقيعه هذا.

ومن المتصور من ناحية أخرى أن تكون الورقة مكتوبةً بخط شخص آخر وموقعًا عليها منه، ومع ذلك لا تعتبر دليلًا كتابيًا بل يعتبر توقيعه عليها بداية للثبوت

كما أنه لو كان التوقيع غير كامل، أو كما لو كان باسمه دون لقبه أو بمجرد الحروف الأولى.

الصورة الثالثة: أن تكون الورقة بخط الخصم وتوقيعه

وهي حالة الورقة التي تكون بخط الشخص وتوقيعه، ومع ذلك لا تعتبر إلا مبدأ ثبوت بالكتابة،

ومثالها أن يرسل شخص لآخر خطابًا بخطه وتوقيعه يطلب منه فيها مهلة للوفاء دون أن يُبين ماهية الدين أو مقداره

فيكون هذا الخطاب مبدأ ثبوت كتابي على وجود الدين.

ومثال آخر أن يكون السند خاصًا بشخص فيكتبه آخر بخطه ثم يوقعه عليه إلى جانب توقيع الشخص الذي يخصه السند دون أن يبين غرضه من التوقيع.

وكما لو وجدت ورقة مكتوبة بخط شخص وتوقيعه ولكنها متآكلة أو ممزقة، وقد جمعت أمشاجها وألصقت.

الصورة الرابعة: ألا تكون الورقة بخط الخصم ولا تكون بتوقيعه

وهي حالة ألا تكون الورقة محررة بخط الشخص، ولا ممهورة بتوقيعه، وتعتبر هذه الورقة في بعض الأحيان مبدأ ثبوت كتابي،

وذلك متصور في الأقوال الواردة على لسان الشخص في محاضر التحقيق المدنية أو الجزائية أو محاضر الجلسات سواء أكان متهمًا أو أحد الخصوم.

وتعتبر أيضًا الورقة صادرة من الخصم في تلك الصورة إذا كانت مُقدمة منه في دعوى أو حتى لو كانت مُقدمة من خصمه، ولكنه استند إليها واتخذها دليلًا لنفسه؛ لأن ذلك يعتبر قبولًا منه فيحتج بها عليه.

ولو وقع شخص كشاهد على ورقة تضمنت أمورًا تضر بمصلحته جاز اعتبارها مبدأ ثبوت كتابي ضده في صدد هذه الأمور عند رفع الدعوى بشأنها عليه.

الشرط الثالث: احتمال تصديق الادعاء (جعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال)

يجب أن يكون من شأن الكتابة؛ جعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال، وهذا شرط جوهري؛ لأنه هو حلقة الاتصال بين الكتابة وبين الالتزام المدعى به

إذ يدل على أن الادعاء ليس مجرد من الأساس تجريدًا تامًا، وإنما هناك مظنة كتابية على صحته أو بعبارة أخرى دليل كتابي ناقص،

فيجوز بهذة المثابة تكملة هذا الدليل الناقص، وتكون هذه التكملة بسماع الشهود.

وختامًا فإننا يمكن أن نلخص المقال في عبارة “دليل كتابي ناقص + شهادة شهود = مبدأ ثبوت بالكتابة

يسعدنا استقبال اقتراحاتكم واستفسارتكم في مكتب المختار للمحاماة

Leave A Comment